كل العائلات السعيدة تتشابه، لكن لكل عائلة تعيسة طريقتها الخاصة في التعاسة.
ليو تولستوي.
انهارده هتكلم عن الصدمة المركبة أو ال Complex PTSD وأنا لما بدأت أفهم يعني إيه صدمة مركبة، بدأت أفهم نفسي أكتر وبدأت أفهم ناس كتير بيجولي مكنتش فاهمهم قبل كدا، بالنسبالي دا كان اكتشاف حقيقي كإني قبلها كنت زي حد بيدخل غرفة مظلمة وبيلمس زلومة أو رجلين وفجأة حد فتح له النور فشاف الفيل كله.
قد إيه الصدمة المُركبة منتشرة؟
في إحصائية اتعملت في إنجلترا ولقت إن 1 من كل 5 أطفال تعرضوا للإساءة أو الإهمال ودول من أكثر الأسباب شيوعًا للصدمة المركبة. وأنا أظن إن لو الإحصائية دي اتعملت في مصر هتكون النتيجة أكبر من كدا بكتير.
إيه هي الصدمة المُركبة؟
بما إن من الأسباب المشهورة للصدمة المُركبة هي الإساءات الجسدية أو الجنسية أو العاطفية أو الإهمال الجسدي أو العاطفي المُمتد لفترات. فعشان نفهمها أكتر هنحتاج نفهم إيه هي احتياجات الطفل من مُقدمي الرعاية بتوعه وتلبية الاحتياجات دي بيؤدي لإيه وعدم تلبيتها ممكن يتسبب في إيه.
فإيه هي الاحتياجات دي؟
الأول: الإحساس بالأمان:
ودا بيحصل نتيجة حماية الطفل من الخطر معظم الوقت والمقصود بالحماية: هي حماية الطفل من نفسه والآخرين والعالم. ومُقدمي الرعاية نفسهم يكونوا آمنين على الطفل يعني مثلًا لما يكونوا غضبانين ميأذوش الطفل.
دا لما بيحصل الطفل بيحس بالأمان في العالم عامًة وخاصةً في العلاقة بالآخرين، وبيقدر يفرق ما بين الأمان والخطر سواء في العلاقات أو في العالم، وبيقدر يعرف حدوده ويحمي نفسه زي ما اتحمي وزي ما حدوده كانت مُحترمة.
الطفل اللي تمت إساءته جسديًا أو جنسيًا أو عاطفيًا ومتحماش، أحد الحاجات اللي بتتأثر هو إحساسه بالأمان في العلاقات ومع الآخرين وفي العالم، وبيحل مكانه خوف مستمر وإحساس بعدم القُدرة على حماية نفسه.
التاني: الإحساس بالشوفان والمعرفة أو الـ Attunement:
الاحتياج للشوفان هو الاحتياج لإن ٣ حاجات يتشافوا ويكون في استجابة ورد فعل مُناسب للطفل من مُقدم الرعاية تجاههم:
سلوك الطفل.
حالته الداخلية من مشاعر وأفكار.
إمكانياته وحدود قدراته حسب مرحلته العمرية.
مُقدم الرعاية اللي بيقدر يشوف الطفل بيكون شايف سلوك الطفل وعنده تخمين وتقدير جيد لحالته الداخلية من مشاعر واحتياجات ورغبات وأفكار وبيدي رد فعل مناسب معظم الوقت وبيظهر للطفل هو شايفه إزاي عشان مع الوقت الطفل يقدر يفهم نفسه، لإن مُقدمي الرعاية هما مرايات الطفل اللي بيقدر يشوف من خلالهم نفسه.
يعني مثلًا لما الطفل يكون بيعيّط، الأم أو الأب بتقدر تخمن هو بيعيط دلوقتي عشان محتاج يرضع ولا عشان بردان ولا عشان محتاج يغيّر وبيحاولوا يلبوا الاحتياج مُعظم الوقت. ممكن لما الطفل يكبر شوية ويعيّط يقولوا انت زعلان؟ أو لما يظهر الغضب يقولوا له انت غضبان دلوقتي؟ مش عاوز كذا؟ محتاج كذا؟ أو لما الطفل يبقى بيعمل حاجة غلط أو هيأذي نفسه يقولوا له لأ وغضبهم يظهر.
الشوفان لإمكانيات الطفل وقُدراته بيحصل بإن مُقدم الرعاية يكون قادر يخمّن إمكانيات الطفل الحالية وبيقدر بالتحديات المُناسبة لسن الطفل يطور من إمكانياته وتوقعاته من الطفل بتكون مناسبة لقدراته وقُدرته على النمو.
الطفل اللي دا بيحصل معاه بيحس إنه متشاف ومفهوم وبيكون عنده التوقع إن الآخرين هيقدروا يشوفوه ويفهموه وهيلبّوا احتياجاته مُعظم الوقت.
واللي مش بيحصل معاه دا، بيتكون عنده إحساس بالخزي حسب إيه اللي مكنش متشاف ومكنش بيحصل له استجابة.
يعني مثلًا الطفل اللي مكنتش مشاعره واحتياجاته وأفكاره مش متشافة أو مفهومة ممكن يحس طول الوقت بالخزي تجاههم، وبيعتقد إن في حاجة غلط فيهم.
الطفل اللي إمكانياته متشافتش ومكنش بيحصل تحديات مُناسبة لسنه، ممكن يفضل طول عمره ميعرفش إيه هي إمكانياته ومبيعرفش إزاي يقدم لنفسه تحديات مناسبة لإمكانياته الحالية. أو أوقات مع تحقيقه لإنجازات كبيرة مش بيقدر يحس بأي مشاعر إيجابية تجاه إنجازاته.
التالت: الإحساس بالطمأنينة:
لما مُقدمي الرعاية يقدموا التطمين اللي الطفل محتاجه لما يكون منزعج سواء كان جسديًا باللمس أو عاطفيًا أو بالكلام، الطفل بيتكون عنده الإحساس بالطمأنينة والراحة ومع الوقت دا بيكون جُزء من التجربة الداخلية للطفل وبيحتاجه أقل من مُقدمي الرعاية وقُدرته على تنظيم مشاعره بتزيد لإنه بيكون عنده القدرة على استحضار الطمأنينة اللي اتقدمت له من مُقدمي الرعاية. ودا أهم حاجة بتؤدي لتنظيم المشاعر.
واللي لما بتغيب الطفل بيكون عنده صعوبة في إدراك مشاعره أو تسميتها وفهمها وتنظيمها.
الرابع: الإحساس بالتقدير:
ظهور السرور والسعادة والفخر على مُقدم الرعاية تجاه الطفل والتعبير عنهم له هو الأساس اللي بيكوّن تقدير الذات والثقة بالنفس. ومهم يكون تجاه وجود الطفل نفسه مش بس مُجرد أفعاله وإنجازاته، عشان الطفل يحس إنه متقدر لوجوده مش لأفعاله. الطفل بيحتاج فعلًا لإنه يكون "الغزال في عين مُقدمي الرعاية".
ودا مهم جدًا لإن في مُقدمي رعاية بيعملوا حاجات كتير للطفل أو بيقدموا حاجات بدافع الواجب لكن مش بيستمتعوا بالرعاية نفسها، فممكن اللي يوصل للطفل إنه عبء وإنه تقيل، مع إن مُقدم الرعاية بيعمل حاجة كويسة، وفي مُقدمي رعاية بيكون أهم حاجة عندهم الطفل بيعمل إيه، مش هو مين. والسعادة بتكون لإنجازات الطفل بس مش لوجوده فدا يتسبب إن الطفل ميبقاش عنده تقدير لذاته، ويحس بالتقدير بس لما ينجز حاجة أو يعمل حاجة. والطفل ممكن يتحول لآلة إنجاز وبيعمل حاجات أو بيشتغل طول الوقت.
الطفل اللي مش بيتلبي الاحتياج دا عنده بيكون صعب جدًا إنه يكون عنده مشاعر إيجابية تجاه نفسه أو إنه يحس إن وجوده متقدر أو يثق في نفسه.
الخامس: الإحساس بالدعم والتشجيع للاختلاف والتميز والاستكشاف:
الطفل بيحتاج يحس بإن مُقدم الرعاية يكون مؤمن بيه وواثق فيه وبيشجع رغبته في الاستكشاف، ودا بيخلي الطفل يحس بحرية في استكشافه وبيزود رغبته في التجربة والخطأ ومن خلال دا بيكتشف تميزه وأفضل ما فيه.
الطفل بيحتاج إن مُقدم الرعاية يكون منفتح على استكشاف الطفل لنفسه وللي حواليه وميكونش عنده أجندة مسبقة وقالب مُسبق له ويدعم اختلافه وتميزه ويكون داعم لقوة واستقلال الطفل اللي بيكبروا مع النمو.
دا لما بيحصل الطفل بيحس بالحرية في الاستكشاف والاستقلال واللعب وبيحس بالفخر لتفرده وتميزه.
ولما دا مش بيتلبي ممكن الطفل يحس بالذنب أوالخزي تجاه رغبته في الاستكشاف أو الاستقلال أو يحس بالخزي تجاه الحاجات اللي بتميزه.
السادس: الإحتياج للانضباط:
الانضباط بيحصل من خلال:
الروتين.
الحدود الواضحة لمُقدمي الرعاية وقواعد واضحة للسلوكيات الصح والخطأ والتشجيع على السلوكيات الصح والفخر بيها وتحمل عواقب الخطأ.
الطفل بيحتاج للروتين عشان الطفل بيحتاج إن البيئة تكون مُتوقعة، فلما يكون في روتين للأساسيات زي الأكل والنوم وأوقات اللعب والرياضة والواجبات، دا بيزود مساحة الطفل في التعامل مع الجزء غير المتوقع من الحياة.
الحاجة التانية اللي الطفل بيحتاجها من مُقدمي الرعاية إن حدودهم تكون واضحة معاه ويقدروا يقولوا لأ ويستمروا عليها عشان يحترم حدود الآخرين بعدين.
وبيحتاج يعرف إيه هي قواعد السلوك الصح والخطأ ويشوف التزام مُقدمي الرعاية بالقواعد دي. ولما يغلط ويكسر القواعد يكون في عواقب لكسرها.
الاتنين دول لما يحصلوا الطفل بيقدر ينظم وقته ويحترم القواعد وحدود الآخرين ويقدر يحترم رموز السلطة (الجديري بالاحترام واللي قواعدهم عادلة) ويكون تعامله معاهم أسهل.
الأطفال اللي دا مش بيحصل معاهم ممكن يطلعوا يلاقوا نفسهم عندهم صعوبة في تنظيم وقتهم أو الالتزام بروتين أو عندهم صعوبة في احترام حدود الآخرين والتعاون معاهم والمشاركة وممكن ميحترموش أي رمز للسلطة أو أوقات يكون العكس تمامًا والطفل هو اللي يحط القواعد والروتين للبيت ويكون ملتزم بيهم بطريقة زايدة والخروج عنهم بيتحول لكارثة وهلع.
لو دا اتعمل بتحكم بزيادة ومن غير تلبية الاحتياجات التانية الطفل ممكن يبقى مُتمرد على أي قواعد أو التزام زايد بالقواعد وعدم فهم للغايات من القواعد.
الطفل بيحتاج الاحتياجات دي "بما يكفي" يعني معظم الوقت زي ما وينيكوت قال، لإن مفيش مقدم رعاية أو أب أم هيقدر يعمل دا طول الوقت، و بتبقى حاجة جميلة لما مقدم الرعاية يغلط ويعتذر ويحاول يصلّح ويعوّض عشان يعلّم الأطفال إنه بني آدم بيغلط ويتعلم.
الاحتياجات دي إحنا بس مش بنحتاجها في الطفولة، إحنا بنحتاجها في المراهقة عشان تقدر تصاحبنا وتكون معانا في مرحلة البلوغ والُرشد وبنفضل نحتاجهم بأشكال ودرجات مُختلفة في علاقتنا بالآخرين طول عُمرنا.
سؤال وجاوبه مع نفسك لو تحب: في علاقتك بمُقدمي الرعاية بتوعك، إيه الاحتياجات اللي اتلبت وإيه الاحتياجات اللي متلتبتش وإيه أثر دا عليك دلوقتي؟
هل شايف في الناس اللي بيجولك العيادة علاقة ما بين احتياجاتهم غير الملباة من مُقدمي الرعاية بتوعهم وسبب زيارتهم ليك؟
ملاحظة نهائية: تاريخ الأشخاص مع مُقدمي الرعاية بتوعه مش بالضرورة يتسبب في صدمة مُركبة، والأساس في التشخيص هو وجود الأعراض في الوقت الحالي. وكمان في جُزء مهم من الصدمة المُركبة إن اللي بيعانوا منها مش دايمًا فاكرين تاريخهم بتفاصيله.
وشكرًا لـ د رضوى وليد على مُراجعة البوست وإضافاتها والتعديل عليه.
ولو حد عنده إضافة أو تعديل يا ريت يشاركنا.
والمرة الجاية هكمل كلام عن الصدمة المُركبة.
المصادر:
Attachment Disturbances in Adults by Daniel P.Brown.
Komentar