هُناك جُروح لا تترك أثرًا على الجسد لكنها أعمق وأكثر ألمًا من أي جرح ظاهر.
لوريل هاميلتون.
إيه هي الأعراض اللي ممكن تظهر بعد التعرض لحادث صادم؟
اليقظة المفرطة أو ال Hypervigilance:
بعد التعرض لتجربة صادمة، يصبح الإنسان في حالة من الترقب المستمرة، وكأن الخطر يمكن أن يعود في أي وقت.
جوديث هيرمان.
اليقظة المفرطة ممكن تظهر في شكل:
إحساس دائم بالخطر وترقب لا ينتهي.
الغضب بسهولة وعلي حاجات الشخص في العادي مكنش بيغضب منها بنفس الدرجة.
الشخص بيتوقع أسوء السيناريوهات في كل موقف.
أفكار سريعة ومتلاحقة وقلق مستمر.
ضربات قلب زايدة وغير منتظمة.
التنفس زايد وغير منتظم.
ضغط الدم زايد.
أرق في النوم ونوم وصحيان كذا مرة وسط النوم.
الشهية للأكل زايدة أو قليلة.
الشخص ممكن يتخض بسهولة "exaggerated startle response"
صعوبة في التركيز.
الأعراض الاقتحامية أو ال Intrusive Symptoms:
يقول تيم أو براين وهو ممن شاركوا في حرب فييتنام: "أذكر العظام البيضاء لذراع. أذكر قطعًا من الجلد وشيئًا طريًا أصفر لا بد أنها الأمعاء. ولكن ما يوقظني من النوم بعد عشرين سنة هو صوت من معي وهو يغني أغنية بينما ندفن هذه الأجزاء"
ويقول بريت أوستروف: تفتقر الذكريات الصادمة الطابع القصصي والسردي للذكريات العادية وتفتقر للسياق ولكنها تُسجل على هيئة صور متقطعة وأحاسيس جسدية.
اللي اتعرض لحادث صادم بتجيله صور أو مشاعر أو أحاسيس جسدية مفاجأة قوية جدًا من الحادث الصادم كإنها بتتكرر تاني في الحاضر وأوقات بيكون في صعوبة في الكلام وهي موجودة. بيسيل فون دي كولك بيسمي الظاهرة دي بالرُعب المُلجِم أو Speechless Terror وبتتسمى Flashbacks وبتكون على درجات من الشدة أكترها إن الشخص ممكن ينفصل تمامًا عن الواقع ويتصرف كإن الحادث الصادم بيحصل من جديد.
بتكون في مثيرات أو Triggers بتجيب نفس مشاعر وأحاسيس الصدمة. يعني ممكن شخص يكون اتعرض لضرب بحزام، فممكن لما بيشوف أي حزام بعد كدا يحس بخوف شديد.
بيكون في كوابيس وأحلام ليها علاقة بالصدمة في الصور اللي بتظهر فيها أو المشاعر اللي بتكون موجودة فيها، يعني مثلًا ممكن يكون في كوابيس كتير الشخص بيحس فيها بالعجز أو بالخوف، أو بغضب شديد وهكذا. أو يكون المحتوى واضح وله علاقة واضحة من صور الصدمة نفسها فممكن تيجي صور من الصور المؤلمة في الحلم نفسه زي ما هي.
الأعراض الإنفصالية أو ال Dissociation:
تحكي ناجية من حادث اغتصاب عن تجربتها مع الإنفصال فتقول:
"غادرتُ جسدي في هذه اللحظة ووقفتُ بجانب جسدي المُلقى أشاهدُ ما يحدث لي وانفصلتُ عن عجزي، ولم أشعر بأي شيء. عندما أعيد تذكر الغُرفة، لا أتذكرها وأنا نائمة على السرير، وإنما أراها من جانب السرير حيث كنت أشاهد ما حدث. "
لما بنمر بحدث صادم وميكونش في إيدينا حاجة نعملها سواء طلب مساعدة أو هروب أو مواجهة، العقل بيحاولة يلاقي طريقة يتحمل بيها الألم الشديد المُصاحب، والانفصال بيساعدنا نعمل دا كويس، الانفصال بيكون له أشكال كتير:
ممكن يكون زي ما الناجية بتحكي، إن الشخص بينفصل عن جسده تمامًا وكإنه بيشوفه من برا ودا اسمه Depersonalization.
وممكن يكون كإن الحدث اللي حصل مش حقيقي كإنه في حلم أو فيلم ودا اسمه Derealization
في أشكال تانية من الإنفصال مش مذكورة في دليل التشخيص لكن بتتشاف مع الشُغل وهي:
الإنفصال عن جُزء من الجسد، وغالبًا بيكون الجزء اللي تعرض للصدمة أو كان فيه أكبر ألم، زي إن شخص ميحسش بمنطقة في جسمه.
الانفصال عن المشاعر أو الأحاسيس الجسدية وخاصةً اللي ليها علاقة بالذكريات الصادمة، فممكن الشخص يحكي حدث صادم لكنه بيحكيه كإنه بيحكيه عن حد تاني ومش بيكون حاسس بأي حاجة.
الانفصال عن ذكرى الحدث الصادم تمامًا ونسيانها كلها أو نسيان أجزاء منها.
الأعراض الاقتحامية وأعراض الانفصال بيحصل بينهم تناوب بعد التعرض لحادث صادم، فالشخص بيلاقي نفسه ما بين إنه مش حاسس بحاجة خالص أو يلاقي نفسه عنده طوفان من المشاعر والصور والأحاسيس الجسدية فيحصل انفصال بعدهم وهكذا. التناوب دا بيزود إحساس العجز والخوف عند الشخص لإن مفيش توقع أو سيطرة على إيه ممكن يحصل إمتى.
في البداية غالبًا (بعد الحدث بأيام ل 3 أو 6 شهور تقريبًا) الأعراض الاقتحامية هي اللي بتكون أكتر لكن بتقل بالتدريج والأعراض الانفصالية هي اللي بتزيد بعدها وبتكمل. ومع الوقت، الحدث الأساسي ممكن الشخص ينساه تمامًا لكن أثره في الأعراض الانفصالية بيكون موجود ودا أوقات بيزود صعوبة التشخيص لإن الشخص نفسه مش بيكون عارف فين المشكلة أو السبب ومش بيكون رابط بين الحدث وبين الانفصال حتى لو فاكر الحدث. (لإن أحيانًا التذكر بيكون معاه أعراض انفصالية بإن الشخص يفتكر الحدث لكن من غير مشاعر، فميشوفش إنه مهم أو يقلل من أهميته).
وهنا واحدة بتحكي عن أبوها قبل وبعد الحرب وأثر الانفصال المزمن عليه فبتقول:
"لقد اختفى مُوظف البنك الذي عمل لساعاتٍ طوال وكان يرقص ويغني ويلعب ويُغازل، كأن روحه ماتت، فالنساء اللاتي عرفنه قبلها كُنّ يتحدثن عن نشاطه وحبه للحياة وأيضًا لطفه وطيبته وكلمة يكررنها كثيرًا وهي حكمته. ولا أظن أنهن كُنّ ليتعرفن على الرجل المريض سريع الغضب المُشتت دائم الخوف من المرض الذي عرفته"
وممكن بعد فترة طويلة تحصل حاجة (Trigger) تثير المشاعر الأساسية وتفتح مشاعر الصدمة فالشخص بترجع له الأعراض الاقتحامية من جديد. فمثلًا جندي ظهرت عليه الأعراض الاقتحامية في السنوية التامنة لتحطم طائرة هو نجى منها.
أعراض التجنب أو ال Avoidance:
عشان مشاعر الصدمة بتكون مؤلمة وغير مُحتملة، فالشخص بيحاول يتجنبها بأي طريقة ممكنة وبيتجنب أي حاجة ممكن تثيرها، فالشخص ممكن يتجنب أي شخص أو مكان أو حوار أو نشاط أو موقف ممكن يؤدي لظهور الذكريات أو المشاعر أو الأحاسيس الجسدية الخاصة بالصدمة.
فمثلًا ممكن شخص يتعرض لسرقة بالإكراه في شارع مُعين، فممكن بعدها ميمشيش في الشارع دا أبدًا أو الشوارع الشبيهة، أو شخص تعرض لتنمر في وسط مجموعة، فممكن يتجنب أي مجموعة بعد كدا. أو شخص تعرض لحادث كان هيغرق فيه، فميقربش للمية أو السباحة تاني.
لكن في أشكال مُختلفة وأقل وضوحًا للتجنب ومش مذكورة في دليل التشخيص لكن مهم نحطها في الحسبان زي التجنب الداخلي:
الطبيعي بتاعنا كبشر إننا أوقات الفراغ والخلوة بالنفس (لما نسرح أو نبحلق في السقف) بتنشط شبكة بتربط بين أجزاء من المخ اسمها Default Mode Network ودي من أهم أهدافها هي التفكير في أفكارنا وأفكار الآخرين والتفكير في مشاعرنا ومشاعر الآخرين والتفكير في الماضي والتخطيط للمستقبل.
ودا معناه إن الشخص اللي تعرض لحادث صادم لو اختلى بنفسه وسرح من غير أي تشتيت ممكن يفتكر مشاعر وذكريات الصدمة وبالتالي الشخص بيميل لإنه يتجنب الخلوة مع نفسه وبيكون في وضع تشتيت مستمر، سواء بأفلام أو مسلسلات أو ألعاب أو سوشيال ميديا أو شغل أو غيره.
تسكين الألم وتجنبه:
تعريف الإدمان بأنه عادة سيئة أو سلوك لتدمير الذات يُخفي وظيفته في حياة المُدمن.
فينسينت فيليتي
يقول جابور ماتيه: استخدام المواد المخدرة ليس مُجرد بحث عن المتعة وإنما هربًا من الألم، فالمدمنون من الناحية الطبية يعالجون أنفسهم من الاكتئاب و القلق وكرب ما بعد الصدمة وحتى فرط الحركة ونقص الانتباه، فالإدمان دائمًا ينشأ من الألم سواءً شعر به الشخص أو كان مدفونًا في لا وعيه.
ومعظم الدمنين نشأوا في بيئة مُسيئة من الإهمال أو الإساءات في طفولتهم أو مراهقتهم، والكثير من النساء تعرضن للإساءة الجنسية، وتاريخ المدمن ملئ بالاغتصاب والضرب والذل والرفض والهجر. والكثير منهم كأطفال اضطروا لمشاهدة العنف بين والديهم ومنهم من شاهد إدمان والديه وكان مضطرًا للعناية به بدلًا من تلقيها.
وبالإضافة للمخدرات كطريقة لتسكين ألم الصدمات فالإدمانات السلوكية التانية زي الألعاب أو القمار أو الإباحيات أو الأكل العاطفي هي طريقة لتسكين الألم العاطفي وتجنبه اللي أوقات كتير بيكون وراه صدمات.
فالملخص إن أعراض الصدمة بتكون في أربع أشكال كُبار:
يقظة مفرطة
أعراض اقتحامية
أعراض انفصالية
أعراض تجنبية
والمرة الجاية هتكلم عن أعراض الصدمات المُزمنة إن شاء الله.
ولو حد عنده إضافة أو تعديل يا ريت يشاركنا.
المصادر:
The body remembers by Babbette Rothschild.
Trauma and Recover by Judith Lewis Herman.
Waking The Tiger: Healing Trauma by Peter Levine
In The Realm Of Hungry Ghosts by Gabor Mate
Comments