إيه هي الصدمة؟ إيه هي ردود أفعال الناس للصدمات اللي بيتعرضولها؟ وإيه هي الأحداث اللي ممكن تكون صادمة؟ وإيه الفرق ما بين ذِكرى عادية وذِكرى صادمة؟ وإيه الفرق ما بين استجابة عادية واستجابة زايدة ممكن تكون نتيجة صدمة قديمة؟ وإيه اللي بيخلّي شخصين يمرّوا بنفس التجربة وحد تحصل له صدمة وحد لأ؟ وإيه هي أنواع الصدمات؟
الأسئلة دي هحاول أجاوب عليها في البوست دا والبوستات الجاية. بس عشان نفهم كل دا هنحتاج نعرف شوية أساسيات الأول:
دماغنا عامل إزاي وبيستجيب للخطر إزاي؟
دماغنا عبارة عن ٣ طبقات فوق بعض ( دا وصف تبسيطي للتوضيح بناءً على The Triune Brain Model لبول ماكلين)
الطبقة الأولى والأقدم من المخ ودي موجودة في قاعدة المخ وبتتسمى الدماغ الزاحفي أو الـ Reptilian Brain عشان زي ما هي موجودة عندنا موجودة في معظم الكائنات بدايةً من الزواحف: ودا الجزء المسؤول عن الوظائف التنظيمية زي تنظيم درجة الحرارة، مثلًا لما تبقى حرّان يقول لجلدك يعرق ولو بردان يقول لعضلاتك ترتعش عشان تطلع حرارة، وعن تنظيم التنفس وضربات القلب وضغط الدم والنوم واليقظة والشهية. واتسمى الدماغ الزاحفي عشان دا بيمثل جُزء كبير من دماغ الزواحف اللي هما غالبًا بيبقوا عايشين في اللحظة ومعظم الوقت هما في حالة من رد الفعل.
الطبقة التانية بتتسمى الدماغ الثديي أو الـ Mammalian Brain (عشان دا موجود عند كل الكائنات اللي بتعيش في مجموعات وبتعتني بأطفالها) وبتتسمى برده الـ Limbic System أو الـ Emotional Brain أو الدماغ العاطفي - هستخدم الدماغ العاطفي في البوست دا والبوستات الجاية عشان أسهل - . الجُزء دا مسؤول عن المشاعر والروابط بين البشر وعن الخوف والغضب (اللي مسؤول عن جُزء كبير منهم اللوزة أو الـ Amygdala ودي جُزء من الطبقة دي برده) والقرف والحزن، والإحساس بالاستمتاع والحماس والدهشة والرغبة الجنسية (نظام المكافأة والحافز مُعظمه هنا). وهنا موجود جُزء مهم جدًا مسؤول عن تخزين الذكريات وهو قرن آمون أو الـ Hippocampus وهنعرف أهميته في الصدمات كمان شوية.
الطبقة التالتة وهي القشرة المُخية أو الـ Cortex ودي الطبقة الأجدد واللي بتنضج وبتكبر بالتدريج من وإحنا صُغيرين وبيكتمل نموها في نص العشرينات تقريبًا (أقصد هنا القشرة الجبهية أو الـ Prefrontal Cortex): ودي الطبقة المسؤولة عن الحاجات المُتطورة عندنا كبشر زي اللغة والتفكير والتخطيط والتجريد والإبداع والتحكم في النفس (فمثلًا في المراهقين القشرة الجبهية مبيكونش اكتمل نموها وعشان كدا حسابهم للعواقب بيكون أقل واندفاعيتهم بتكون أعلى).الجزء دا هو اللي بيعرف يحدد الوقت، ولما بيكون الجزء دا نشط بنعرف نفكّر في الماضي أو المستقبل وبنعرف نفرّق ما بين الماضي والحاضر والمستقبل.
في حاجة مهمة جدًا في الطبقتين الأولى والتانية (الدماغ الزاحفي والدماغ العاطفي): إن أي معلومات جاية من الحواس زي الرؤية والسماع واللمس والشم والتذوق بيعدّوا عليهم الأول قبل ما يوصلوا للأجزاء الأعلى من قشرة المخ. ودا مهم ليه؟
لإنه في الأوقات العادية كل المعلومات الجاية من الحواس بتوصل لقشرة المُخ عشان رد الفعل يبقى محسوب عواقبه، لكن في حالات الخطر بيكون العملي أكتر للنجاة إن رد الفعل يبقى سريع حتى لو مش دقيق. يعني مينفعش يبقى أسد جاي يهجم عليك وانت تقعد تحسب هتهاجم ولا هتهرب ولو هتهرب، هتهرب إزاي. بتكون محتاج رد فعل سريع جدًا عشان تعيش حتى لو رد الفعل دا مش دقيق ومش محسوب. (الجُزئين دول مبيقدروش يفرّقوا ما بين الماضي والحاضر والمستقبل ودا هنعرف أهميته في الصدمات كمان شوية).
الحاجة المهمة التانية: إن الـ 3 طبقات مُتصلين ببعض وبيأثروا على بعض. يعني مثلًا لو انت قاعد دلوقتي وحاسس بالأمان تمامًا وتخيّلت حد قُريب وعزيز عليك بيموت (ودا جاي من القشرة المُخية) هيبدأ الدماغ العاطفي يحس بالخوف إنك ممن تفقد الشخص دا فعلًا والحُزن على فُراق الشخص دا. والطبقة الأولى المنظمة للوظائف الحيوية تنشط وتبدأ تحس بضربات قلبك زايدة وتنفسك زاد وممكن تحس بتُقل على صدرك من الحُزن. ولو العكس حصل زي ما بيحصل مثلًا في وقت نوبات الهلع ممكن ضربات القلب تزيد لأي سبب ودا ينشط الخوف في الدماغ العاطفي وتبدأ تحس إن في خطر( لإنه إيه اللي مخلي ضربات قلبي تزيد كدا؟! وبالتالي تبدأ تتخيل إنك هتموت أو هتجيلك جلطة (القشرة المخية).
أو مثلًا الدماغ الزاحفي حسّ إن الجلوكوز في دمّك قلّ فبعت إشارات تحسسك بالجوع (الطبقة الأولى والتانية) وقشرة المُخ ممكن تبدأ تفكّر في إيه الأكل اللي ممكن يشبعني وييجي في بالك الأيس كريم والبيتزا طبعًا عشان الأكل الصحي هي آخر حاجة ممكن تيجي على بالك. فطول الوقت الـ 3 طبقات مُتصلين ببعض وبينظموا بعض.
طيب إزاي بنستجيب للخطر وإزاي بنحمي نفسنا منه؟
إيه هو الخطر الأول وإيه الفرق بينه وبين الضغط العادي؟
الضغط العادي: هو ضغط وتحدي لكنه مُتوقع ومُتوسط في الشدة وممكن نتحكم فيه. ودا تعرضنا له مهم جدًا وبيقوينا وبيزود الـ Resilience بتاعتنا. يعني مثلًا لو انت بتروح الجيم. انت اللي بتختار انت بتروح امتى فانت اللي بتتحكم في وقت الضغط. وانت اللي بتختار الوزن المناسب اللي هتشيله بحيث ميكونش سهل أوي ولا صعب أوي (مُتوسط). فلو انت رُحت أول يوم الجيم والكابتن خلّاك تشيل وزن أو تتمرن أزيد بكتير من اللي تقدر عليه، هيبقى عندك ميل إنك متروحش تاني، عشان هتحس إن الضغط دا شديد وغير مُحتمل بالنسبالك. ولو رُحت برده ولقيته بيمرّنك تمرين سهل جدًا ومحستش بأي فرق بعدها، ممكن متروحش تاني برده عشان مفيش تحدي وممكن تمل. فالضغط المُفيد بيكون: Predictable و Moderate و Controllable.
أما الخطر أو الضغط المُربك: بيكون غير مُتوقع أو شديد أو مُمتد. وهو دا اللي ممكن يتسبب في مشاكل. زي ما تكون راكب عربية وتحصل حادثة أو موت حد عزيز فجأة أو التعرض لاغتصاب أو عنف أو كوارث زي الزلازل. دي لا هي حاجة مُتوقعة ولا هي حاجة بسيطة. أو لو مثلًا اللي انت بتقدر تشتغله 8 ساعات في اليوم، وبعدين أُجبرت تشتغل 12 ساعة. مع الوقت هتلاقي تحملك بيقل وطاقتك بتقل وكل علامات الضغط المُمتد هبدأ تظهر عليك. فالخطر أو الضغط المُربك بيكون : Unpredictable أو Extreme أو Prolonged.
طيب إحنا بنستجيب للخطر في وقتها إزاي؟
النوع الأول من الاستجابات: هحكي موقف حصل معايا: وأنا قاعد في البنك فجأة بيرنّ جرس إنذار الحريق. بحس بضربات قلبي أسرع وتنفسي بيزيد وببص على الناس حواليّا وعلى المُوظفين بالذات وبراقب ردود فعلهم وبشوف همّا خايفين ولا لأ، وبيعملوا إيه. لقيتهم هاديين، محدش منهم بيتحرك أو بيجري أو بيهرب. بدأت أهدى وخمنت إنه يا إما عُطل أو تدريب. طلع الإنذار تدريب على الحريق اللي بيحصل من وقت للتاني. كل اللي بحكيه دا حصل في لحظات من غير ما أعمل أي حاجة منه بوعي. وأخدت بالي من اللي حصل دا بعدها. الاستجابة دي اسمها Flock ودي غالبًا أول استجابة بتحصل لما بنتعرض للخطر وفي ناس حوالينا، بنبص على اللي حوالينا عشان نتأكد فعلًا من وجود الخطر (خاصةً الناس اللي إحنا شايفين إنهم أقوى مننا أو عارفين أكتر مننا أو بنثق فيهم) ونشوف ردود فعلهم عشان ننجو معاهم أو نحتمي بيهم. ولو إحنا الأقوى والأقدر في وقت الخطر هيبقى في ميل إننا نبص على المسؤولين مننا (زي أولادنا مثلًا) عشان نحاول نحميهم.
طيب إيه اللي حصل في دماغي في الوقت اللي أنا حسيت فيه بالخطر؟
جرس الإنذار اللي أنا سمعته دا وصل للدماغ العاطفي. الجرس دا في أقل من لحظات بيتقارن بالذكريات المتخزنة في اللوزة أو الـ Amygdala (اللي هي جُزء من الدماغ العاطفي) ودي المسؤولة عن الإحساس بالخوف وتقدير الخطر. والجرس دا عشان مُرتبط بالخطر ومحتاج رد فعل سريع. ففي إشارة وصلت للدماغ الزاحفي عشان تجهزني للهروب أو المواجهة (Fight or Flight Response وهتكلم عنه بالتفصيل كمان شوية). ودا هيحتاج إن ضربات قلبي تزيد وتنفسي يزيد والدم يتضخ أكتر للعضلات عشان محتاج أهرب. وحصل الاستجابة الأولية بتاعة الـ Flock بإني بصيت على الموظفين المسؤولين في البنك. وعشان التركيز دلوقتي على النجاة والحفاظ على الحياة فمفيش مجال ولا مساحة لتنشيط قشرة المُخ المسؤولة عن التخطيط والإبداع والإحساس بالوقت. فالإحساس بالوقت بيقف عشان محتاج أكون في اللحظة وبعمل استجابة سريعة. ودا أول نوع من أنواع استجابتنا للخطر وهو الـ Flock.
النوع التاني: الهروب أو المواجهة (Fight or Flight أو اختصارًا الـ Arousal أو التحفيز)
في التحفيز أو الـ Arousal: دماغنا بيجهزنا للحركة سواء كانت الحركة دي للهروب أو المواجهة. فاللي بيحصل هنا إن ضربات القلب بتزيد والتنفس بيزيد وضغط الدم بيزيد عشان الدم يوصل أكتر للعضلات. الأدرينالين والكورتيزول بيتفرزوا والجلوكوز في دمنا بيتحول للعضلات. طيب بنهرب أو بنواجه بُناءً على إيه؟
المواجهة: لو دماغنا العاطفي عمل تقييمه وشاف إننا أكبر وأقوى من الخطر فهتكون الاستجابة هي المواجهة أو الـ Fight: مثلًا لو قُطة صُغيرة جاية تخربشك فبكل بساطة هتحاول تحمي نفسك وتُزقها. أو حد انت شايف إنه أصغر منك في الحجم جاي يهجم عليك وانت شايف إنك تقدر تصده وتوقفه فهتواجهه ومش هتهرب. خلينا ناخد مثال أقرب للحياة دلوقتي، لو مُوظف أقل منك في الشُغل اتعصب عليك هيبقى الميل إنك تكشم له وتتعصب عليه أكتر أو تزعق له (لو انت شايف إنه أضعف منك وإنك أقوى منه وانت عندك حق مثلًا). لكن لو رئيسك في الشُغل (وانت شايف إنه أقوى منك وعنده سُلطة أعلى منك أو يقدر يأذيك) اتعصب عليك فهيبقى في ميل لرد فعل تاني هتكلم عنه كمان شوية.
الهروب: لو دماغنا العاطفي عمل تقييمه وشاف إننا أضعف من مصدر الخطر وفي مجال للهروب وممكن نهرب بسهولة هنهرب بسرعة جدًا. مثلًا انت في الغابة وفي أسد بيهجم عليك وانت شايف إنك أضعف من الأسد والغابة مفتوحة قُدامك وتقدر تجري أو تهرب. وقتها هتحاول تهرب غالبًا.
النوع التالت: التجمد أو الـ Freeze أو "إعمل نفسك ميّت"
هنا لو التحفيز أو الـ Arousal مش مُفيد يعني لا قادر تواجه ولا قادر تهرب عشان مفيش مجال ولا مكان للهروب. تخيّل عندك 6 سنين وفي أسد دخل عليك الأوضة اللي انت قاعد فيها والأوضة مقفولة ومفيش مجال للهروب. هنا دماغك عارف كويس إنك متقدرش تواجه ولا في مجال للهروب، وأوقات ممكن تحاول تعمل الاتنين لكن ميجبوش نتيجة.
فهنا في رد فعل بيحصل عشان احتمال تنجو وهو إنك تتجمد، عشان دا احتمال يربك الأسد ويحسسه إنك ميّت أصلًا والضحية الميّتة ملهاش فايدة عشان ممكن يكون أكلها مُقرف. الهدف التاني للتجمد إنه بيأهلك لتحمل الألم وعدم الإحساس بيه قدر المُستطاع. واللي بيحصل بيكون عكس اللي بيحصل في التحفيز تمامًا. في التحفيز الدم بيروح للعضلات والأطراف عشان الهروب أو المواجهة. هنا ضربات القلب بتقل وضغط الدم بيقل عشان وصول الدم للأطراف يقل عشان لو اتصابوا، النزيف يكون أقل. في التحفيز اللي بيتفرز هو الأدرينالين، لكن في التجمد الجسم بيفرز مُسكناته الداخلية (الـ Endorphins & Enkephalins) عشان لو حصل جرح إحساسك بيه وبألمه يكون أقل. ودي الاستجابة اللي اللي بتحصل لما نحس إننا مُحاصرين وعاجزين. (والاستجابة دي فهمها مهم جدًا لفهم الصدمات)
الاستجابة الرابعة: التودد أو الـ Fawn response وأوقات بتتسمى Tend and befriend أو لطف وعطّف.
هنا لو مصدر الخطر بشر ومن الناس اللي وجودك وحياتك بتعتمد عليهم. مثلًا طفلة عندها 7 سنين وأبوها بيرجع من الشُغل عصبي ولو هي طلبت منه حاجة أو حاولت تتكلم معاه بيتعصب وبيضربها. هنا الحفاظ على العلاقة أساسي للبنت ومهم بالنسبالها رضا أبوها عنها. فممكن تبدأ تتودد لأبوها عشان يعمل لها اللي هي عاوزاه. يعني مثلًا لما يرجع هتعمل له حاجة يشربها من غير ما يطلب. هتكلمه بلُطف وتحاول تهديه. هتبدأ تلاحظ كل حاجة هو بيتعصب منها ومش هتعملها. هتبدأ من الآخر هي اللي تاخد بالها من احتياجاته وتنسى احتياجاتها تمامًا وتحاول ترضيه عشان بس تحس إنها في أمان وتحافظ على العلاقة معاه وتتجنب الأذى اللي بيحصل بسبب عصبيته.
ودي الاستجابة اللي كنت بتكلم عنها اللي ممكن تحصل لما رئيسك في الشغل اللي ممكن يأذيك يتعصب عليك وانت شايف إنه خطر وانت متقدرش تسيب الشُغل دلوقتي. ممكن اللي يحصل وقتها إنك تحاول تلطّف معاه وتحاول ترضيه.
هكمل المرة الجاية عن الصدمة نفسها وإيه اللي بيحصل وقتها وبتتخزن في الدماغ إزاي.
وشكرًا لـ د رضوى وليد على مُراجعة البوست والتعديل عليه.
ولو في حد عنده إضافة أو تعديل يا ريت يشاركنا.
المصادر:
What Happened To You by Bruce D. Perry.
Behave by Robert Sapolsky.
Comments