إيه هي أعراض الصدمة المُركبة؟
"كل عَرَض مرضي ما هو إلا حل لمُشكلة كانت موجودة وقت بدايته"
د ليلى قاسم
الطفل بيُجبر بغريزة التعلق الطبيعية إنه يحافظ على العلاقة بينه وبين مُقدم الرعاية مهما كان مُقدم الرعاية خطير أو مُهمل أو مُسيء أو مُتحكم. راجع التعلق أو الـ Attachment لو انت مش عارف يعني إيه تعلق.
في الصدمة المُركبّة، الطفل بيُجبر بغريزة التعلق إنه يلاقي طريقة يثق بيها في ناس غير جديرين بالثقة، وإنه يحافظ على أمانه مع ناس خطر عليه، وإنه يبقى عنده إحساس بالقدرة في موقف عجز وإنه يبادر مع مُقدم رعاية مُسيطر. ومُجبر إنه يلاقي طريقة يراعى ويحمي نفسه بيها في علاقة مفيش فيها رعاية أو حماية. ومُجبر إنه ينظم وظايفة الحيوية وينظم مشاعره مع مُقدم رعاية هو نفسه مش منظم مشاعره. فالصدمة المُركبة هي مرض علاقاتي في الأساس، وهنا تيجي وظيفة الأعراض: فالأعراض ممكن فهمها بإنها كانت الطريقة المُتاحة للشخص للتكيف مع البيئة المُسيئة.
فهتكلم عن الأعراض بوصفها هي إيه، وكانت بتخدم غرض إيه في العلاقة الأولى وإزاي كانت طريقة للتكيف مع البيئة المُسيئة والأعراض بتظهر إزاي في البالغين وهحاول أختصر على قد ما أقدر.
العرض الأول: الخزي السام أو الـ Toxic Shame.
إيه هو الخزي السام؟
الأفكار: "أنا شخص سيء، مش كفاية، قُليل، وحش، متحبش، مؤذي، خطر، أناني، بشع، مُقرف، غبي، أوفر، حسّاس"
الرغبة المُصاحبة: الرغبة في الاختباء وإخفاء أجزاء من النفس طول الوقت. أو الرغبة في تصدير صورة غير حقيقية مُبالغ فيها عن النفس.
المشاعر المُصاحبة: الخوف من انكشاف الأجزاء المخفية والخوف من رفضها لو ظهرت.
الخزي الصحي الأول هو مشاعر لحظية بنحس بيها وممكن تظهر في الجسم على شكل حرارة في وشنا، وممكن نحس إننا مش عارفين نتكلم للحظة، ودا ممكن يحصل لما نُخرج عن قيمنا أو لما نعمل حاجة مُحرجة، ودا مُهم عشان يعرّفنا محدوديتنا ويعرفنا قيمنا.
في الخزي السام الشخص بيشوف إنه كله على بعضه فيه مشكلة أو حاجة غلط أو وحش أو غبي أو ناقص بطريقة ما. وممكن يرتبط بوجود الشخص نفسه فيشوف إنه "أنا غلطة وكل حاجة بعملها بتكون غلط" أو "أنا مؤذي وكل حاجة بعملها مؤذية" "أنا مش كفاية وكل حاجة بعملها مش كفاية" ويبقى عاوز يخبي نفسه عن الآخرين وحتى عن نفسه.
الخزي السام ممكن يرتبط بحاجات مُعينة حسب إيه اللي كان مرفوض من مُقدمي الرعاية: يعني مثلًا الرغبة في الاستكشاف والاستقلال والحماس لو اترفضت والطفل كان بيتعاير بغضبه وباستقلاله أو باستكشافه فممكن يحس بالخزي في أي مرة يبقى عاوز يقول لأ أو إنه يعمل حاجة مُختلفة أو يستقل ويكون له رغبة مُختلفة أو يكون عنده فضول تجاه حاجة وممكن ينكر إن عنده أي رغبة في الاستقلال أو الاستكشاف أو إنه مش مُهتم.
أو لو كان في ذم شديد ورفض تجاه أخطاء الطفل وربط الخطأ بيه هو، فلو كذب مرة فهو كداب، لو فشل مرة فهو فاشل، فالشخص هيكون عنده خزي تجاه الخطأ عمومًا وهيحاول يتجنب الخطأ ولو عمله هيبقى بيحاول يخبيه لإن الخطأ مكنش مقبول. فالمثالية هي وجه آخر للخزي السام.
أو لما كان الشخص يحس بمشاعر أو يعبّر عنها سواء غضب أو حُزن أو خوف أو فرح أو حماس أو غيرهم فيتقابل بالرفض أو التقليل أو يتقاله انت حسّاس أو أوفر، فيحس بالخزي كل مرة يكون عنده فيها مشاعر وبالتالي يبقى بيخبّي مشاعره.
أو ممكن يرتبط بالاحتياجات اللي مكنش في فُرصة لتلبيتها:
يعني مثلًا لو الأم أو الأب عندهم مرض مُزمن فمحتاجين رعاية جسدية أو عاطفية، فالطفل أو الشخص بيشوف إن احتياجاته أقل أهمية بالمُقارنة بمُقدم الرعاية وهو اللي بيكون بياخد باله وبيرعى الأم أو الأب، والرعاية المُستمرة دي ممكن تخلّي الطفل ينكر احتياجاته مضطر عشان يقدر يرعاهم وبالتالي يحس بالخزي لو حس بمشاعر أو احتياج. أو لو كانوا مشغولين جدًا لتوفير الاحتياجات الأساسية من الأكل والشُرب فبرده الاحتياج العاطفي أو المشاعر أو أي احتياج تاني ممكن يرتبط بالخزي.
وصوت ومشاعر وتعبيرات وش مُقدم الرعاية الرافض أو المُسيء أو الغير مُتاح بتتسجل داخليًا، فمثلًا ممكن حد لما يتبسط يحس بالخزي عشان كان مُقدمي الرعاية بيسخروا من انبساطه واستمتاعه وكانوا بيتريقوا عليه انت مبسوط ليه؟ انت أهبل؟
أو مثلًا الاستمتاع الجنسي الطبيعي أوقات يبقى مُرتبط بالخزي، لإن الاستكشاف والاستمتاع الجنسي الطبيعي كان مرفوض وهكذا. أو يكون الخزي مُرتبط بالحُزن فالشخص لو حزن يحس بالخزي ويفكّر إنه ضعيف. أو لما يتعب ويكون مُرهق يحس بالخزي عشان الإرهاق والتعب قبل كدا تم رؤيتهم من مُقدمي الرعاية على إنه استسلام أو كسل، وهكذا….
إيه هو هدف الخزي السام؟
هدف الخزي السام هنا أو وظيفته التكيفيه: إنه بيخلي الشخص يخبّي الجُزء المرفوض، وبالتالي الحصول على قبول مُقدم الرعاية والحفاظ على العلاقة معاه. والشخص لو ظهر منه الجُزء المرفوض دا في أي علاقة تانية أو أي وقت، بتتفعل دايرة الخزي السام وبيحس وبيفكر بنفس المشاعر اللي كان بيحس بيها في العلاقة الأولى وبيتوقع ردود أفعال من اللي حواليه زي نفس ردود أفعال مُقدم الرعاية. فلو مثلًا غضبه كان بيتقابل بشتيمة أو خزي من مُقدم الرعاية هيحس بالخزي لما يحس بالغضب وهيتوقع إنه لو عبّر عنه هيتشتم أو هيترفض.
الوجه الآخر للخزي السام: الناقد الخارجي:
إيه هو الناقد الخارجي؟
"الآخرين أغبياء، مش كفاية، قُليلين، مؤذيين، خطر، أنانيين، وحشين، بشعين، مُقرفين، حسّاسين"
الناقد الخارجي عبارة عن أحكام زي اللي فوق دي ومشاعر زي القرف أو الاحتقار أو الغضب بتظهر عند الشخص لما الآخرين يعملوا الحاجات اللي تم رفضها من مُقدمي الرعاية أو الأقران. فمثلًا شخص تعرض لتنمر على شكله، ممكن يلاقي نفسه بيتنمر على شكل الآخرين برده. ويحس بقرف أو احتقار للناس اللي فيها نفس الحاجات اللي تم التنمر فيها عليه.
أو شخص اتعرض لتقليل أو رفض لمشاعره، ممكن يلاقي نفسه بيحس بغضب أو قرف أو احتقار لما الآخرين يعبّروا عن مشاعر ويبقى هو كمان يقلل أو يرفض.
وهكذا تجاه أي سلوك أو مشاعر أو احتياجات أو أفكار.
طيب دا هدفه إيه؟
في هدفين للناقد الخارجي:
الهدف الأول: الحماية من الحاجات المُسيئة اللي كانت بتحصل في العلاقة الأولى، فمثلًا لو مُقدم الرعاية كان بيغضب ويضرب على حاجات مُعينة، فالشخص هنا محتاج يبقى يقظ بزيادة في البيت تجاه الغضب عشان يقدر يعمل رد فعل يحميه، فالشخص ممكن يلاقي نفسه عند غضب الآخرين أو صوتهم العالي بيحس بمشاعر شديدة وأحكامه تظهر.
الهدف التاني:
أوقات اللي بيحصل مع الخزي السام إن الشخص يتماثل مع مُقدم الرعاية، يعني مثلًا لو حُزنها كان مرفوض واتسمت نِكديّة، فتبقى مصدقة إن الحزن نكد وتقصي الجُزء دا من نفسها تمامًاـ ولما تشوفه في الآخرين تحس بغضب أو بقرف زي اللي كان بيحس بيه مُقدم الرعاية تجاهها، والأحكام تطلع تجاه الآخرين، عشان تحس إنها أبعد ما يكون عن الحاجة اللي كانت مرفوضة فيها وإنها ممكن تتقبل، وإن الآخرين همّا اللي كدا لكن أنا مش كدا فتشوف إن الآخر فيه مشكلة وتبعده ومتعتمدش عليه زائد إن ألم الماضي المؤلم جدًا يتسكن وبالتالي ميحصلش القُرب المُهدد.
في نظريات كتير أوي اتكلمت عن الخزي السام بأشكال مُختلفة زي الكبت أو الـ Repression في نظريات فرويد، أو النفس المُزيفة أو الـ False Self في نظرية وينيكوت، والنفس المُزيفة هي الأجزاء اللي كانت مقبولة في العلاقة الأولي ناقص كل الأجزاء المرفوضة. في الـ Transactional Analysis بتتسمى الطفل المُتكيف أو الـ Adapted Child أو المُعتقدات الأساسية الخاطئة - Core Beliefs في العلاج المعرفي.
هكمل المرة الجاية عن بقية الأعراض ولو حد عنده إضافة أو تعديل يا ريت يشاركنا
المصادر:
Complex PTSD: from Surviving to Thriving by Pete Walker.
Healing The Shame That Binds You by John Bradshaw.
كل العائلات السعيدة تتشابه، لكن لكل عائلة تعيسة طريقتها الخاصة في التعاسة.
ليو تولستوي.
انهارده هتكلم عن الصدمة المركبة أو ال Complex PTSD وأنا لما بدأت أفهم يعني إيه صدمة مركبة، بدأت أفهم نفسي أكتر وبدأت أفهم ناس كتير بيجولي مكنتش فاهمهم قبل كدا، بالنسبالي دا كان اكتشاف حقيقي كإني قبلها كنت زي حد بيدخل غرفة مظلمة وبيلمس زلومة أو رجلين وفجأة حد فتح له النور فشاف الفيل كله.
قد إيه الصدمة المُركبة منتشرة؟
في إحصائية اتعملت في إنجلترا ولقت إن 1 من كل 5 أطفال تعرضوا للإساءة أو الإهمال ودول من أكثر الأسباب شيوعًا للصدمة المركبة. وأنا أظن إن لو الإحصائية دي اتعملت في مصر هتكون النتيجة أكبر من كدا بكتير.
إيه هي الصدمة المُركبة؟
بما إن من الأسباب المشهورة للصدمة المُركبة هي الإساءات الجسدية أو الجنسية أو العاطفية أو الإهمال الجسدي أو العاطفي المُمتد لفترات. فعشان نفهمها أكتر هنحتاج نفهم إيه هي احتياجات الطفل من مُقدمي الرعاية بتوعه وتلبية الاحتياجات دي بيؤدي لإيه وعدم تلبيتها ممكن يتسبب في إيه.
فإيه هي الاحتياجات دي؟
الأول: الإحساس بالأمان:
ودا بيحصل نتيجة حماية الطفل من الخطر معظم الوقت والمقصود بالحماية: هي حماية الطفل من نفسه والآخرين والعالم. ومُقدمي الرعاية نفسهم يكونوا آمنين على الطفل يعني مثلًا لما يكونوا غضبانين ميأذوش الطفل.
دا لما بيحصل الطفل بيحس بالأمان في العالم عامًة وخاصةً في العلاقة بالآخرين، وبيقدر يفرق ما بين الأمان والخطر سواء في العلاقات أو في العالم، وبيقدر يعرف حدوده ويحمي نفسه زي ما اتحمي وزي ما حدوده كانت مُحترمة.
الطفل اللي تمت إساءته جسديًا أو جنسيًا أو عاطفيًا ومتحماش، أحد الحاجات اللي بتتأثر هو إحساسه بالأمان في العلاقات ومع الآخرين وفي العالم، وبيحل مكانه خوف مستمر وإحساس بعدم القُدرة على حماية نفسه.
التاني: الإحساس بالشوفان والمعرفة أو الـ Attunement:
الاحتياج للشوفان هو الاحتياج لإن ٣ حاجات يتشافوا ويكون في استجابة ورد فعل مُناسب للطفل من مُقدم الرعاية تجاههم:
سلوك الطفل.
حالته الداخلية من مشاعر وأفكار.
إمكانياته وحدود قدراته حسب مرحلته العمرية.
مُقدم الرعاية اللي بيقدر يشوف الطفل بيكون شايف سلوك الطفل وعنده تخمين وتقدير جيد لحالته الداخلية من مشاعر واحتياجات ورغبات وأفكار وبيدي رد فعل مناسب معظم الوقت وبيظهر للطفل هو شايفه إزاي عشان مع الوقت الطفل يقدر يفهم نفسه، لإن مُقدمي الرعاية هما مرايات الطفل اللي بيقدر يشوف من خلالهم نفسه.
يعني مثلًا لما الطفل يكون بيعيّط، الأم أو الأب بتقدر تخمن هو بيعيط دلوقتي عشان محتاج يرضع ولا عشان بردان ولا عشان محتاج يغيّر وبيحاولوا يلبوا الاحتياج مُعظم الوقت. ممكن لما الطفل يكبر شوية ويعيّط يقولوا انت زعلان؟ أو لما يظهر الغضب يقولوا له انت غضبان دلوقتي؟ مش عاوز كذا؟ محتاج كذا؟ أو لما الطفل يبقى بيعمل حاجة غلط أو هيأذي نفسه يقولوا له لأ وغضبهم يظهر.
الشوفان لإمكانيات الطفل وقُدراته بيحصل بإن مُقدم الرعاية يكون قادر يخمّن إمكانيات الطفل الحالية وبيقدر بالتحديات المُناسبة لسن الطفل يطور من إمكانياته وتوقعاته من الطفل بتكون مناسبة لقدراته وقُدرته على النمو.
الطفل اللي دا بيحصل معاه بيحس إنه متشاف ومفهوم وبيكون عنده التوقع إن الآخرين هيقدروا يشوفوه ويفهموه وهيلبّوا احتياجاته مُعظم الوقت.
واللي مش بيحصل معاه دا، بيتكون عنده إحساس بالخزي حسب إيه اللي مكنش متشاف ومكنش بيحصل له استجابة.
يعني مثلًا الطفل اللي مكنتش مشاعره واحتياجاته وأفكاره مش متشافة أو مفهومة ممكن يحس طول الوقت بالخزي تجاههم، وبيعتقد إن في حاجة غلط فيهم.
الطفل اللي إمكانياته متشافتش ومكنش بيحصل تحديات مُناسبة لسنه، ممكن يفضل طول عمره ميعرفش إيه هي إمكانياته ومبيعرفش إزاي يقدم لنفسه تحديات مناسبة لإمكانياته الحالية. أو أوقات مع تحقيقه لإنجازات كبيرة مش بيقدر يحس بأي مشاعر إيجابية تجاه إنجازاته.
التالت: الإحساس بالطمأنينة:
لما مُقدمي الرعاية يقدموا التطمين اللي الطفل محتاجه لما يكون منزعج سواء كان جسديًا باللمس أو عاطفيًا أو بالكلام، الطفل بيتكون عنده الإحساس بالطمأنينة والراحة ومع الوقت دا بيكون جُزء من التجربة الداخلية للطفل وبيحتاجه أقل من مُقدمي الرعاية وقُدرته على تنظيم مشاعره بتزيد لإنه بيكون عنده القدرة على استحضار الطمأنينة اللي اتقدمت له من مُقدمي الرعاية. ودا أهم حاجة بتؤدي لتنظيم المشاعر.
واللي لما بتغيب الطفل بيكون عنده صعوبة في إدراك مشاعره أو تسميتها وفهمها وتنظيمها.
الرابع: الإحساس بالتقدير:
ظهور السرور والسعادة والفخر على مُقدم الرعاية تجاه الطفل والتعبير عنهم له هو الأساس اللي بيكوّن تقدير الذات والثقة بالنفس. ومهم يكون تجاه وجود الطفل نفسه مش بس مُجرد أفعاله وإنجازاته، عشان الطفل يحس إنه متقدر لوجوده مش لأفعاله. الطفل بيحتاج فعلًا لإنه يكون "الغزال في عين مُقدمي الرعاية".
ودا مهم جدًا لإن في مُقدمي رعاية بيعملوا حاجات كتير للطفل أو بيقدموا حاجات بدافع الواجب لكن مش بيستمتعوا بالرعاية نفسها، فممكن اللي يوصل للطفل إنه عبء وإنه تقيل، مع إن مُقدم الرعاية بيعمل حاجة كويسة، وفي مُقدمي رعاية بيكون أهم حاجة عندهم الطفل بيعمل إيه، مش هو مين. والسعادة بتكون لإنجازات الطفل بس مش لوجوده فدا يتسبب إن الطفل ميبقاش عنده تقدير لذاته، ويحس بالتقدير بس لما ينجز حاجة أو يعمل حاجة. والطفل ممكن يتحول لآلة إنجاز وبيعمل حاجات أو بيشتغل طول الوقت.
الطفل اللي مش بيتلبي الاحتياج دا عنده بيكون صعب جدًا إنه يكون عنده مشاعر إيجابية تجاه نفسه أو إنه يحس إن وجوده متقدر أو يثق في نفسه.
الخامس: الإحساس بالدعم والتشجيع للاختلاف والتميز والاستكشاف:
الطفل بيحتاج يحس بإن مُقدم الرعاية يكون مؤمن بيه وواثق فيه وبيشجع رغبته في الاستكشاف، ودا بيخلي الطفل يحس بحرية في استكشافه وبيزود رغبته في التجربة والخطأ ومن خلال دا بيكتشف تميزه وأفضل ما فيه.
الطفل بيحتاج إن مُقدم الرعاية يكون منفتح على استكشاف الطفل لنفسه وللي حواليه وميكونش عنده أجندة مسبقة وقالب مُسبق له ويدعم اختلافه وتميزه ويكون داعم لقوة واستقلال الطفل اللي بيكبروا مع النمو.
دا لما بيحصل الطفل بيحس بالحرية في الاستكشاف والاستقلال واللعب وبيحس بالفخر لتفرده وتميزه.
ولما دا مش بيتلبي ممكن الطفل يحس بالذنب أوالخزي تجاه رغبته في الاستكشاف أو الاستقلال أو يحس بالخزي تجاه الحاجات اللي بتميزه.
السادس: الإحتياج للانضباط:
الانضباط بيحصل من خلال:
الروتين.
الحدود الواضحة لمُقدمي الرعاية وقواعد واضحة للسلوكيات الصح والخطأ والتشجيع على السلوكيات الصح والفخر بيها وتحمل عواقب الخطأ.
الطفل بيحتاج للروتين عشان الطفل بيحتاج إن البيئة تكون مُتوقعة، فلما يكون في روتين للأساسيات زي الأكل والنوم وأوقات اللعب والرياضة والواجبات، دا بيزود مساحة الطفل في التعامل مع الجزء غير المتوقع من الحياة.
الحاجة التانية اللي الطفل بيحتاجها من مُقدمي الرعاية إن حدودهم تكون واضحة معاه ويقدروا يقولوا لأ ويستمروا عليها عشان يحترم حدود الآخرين بعدين.
وبيحتاج يعرف إيه هي قواعد السلوك الصح والخطأ ويشوف التزام مُقدمي الرعاية بالقواعد دي. ولما يغلط ويكسر القواعد يكون في عواقب لكسرها.
الاتنين دول لما يحصلوا الطفل بيقدر ينظم وقته ويحترم القواعد وحدود الآخرين ويقدر يحترم رموز السلطة (الجديري بالاحترام واللي قواعدهم عادلة) ويكون تعامله معاهم أسهل.
الأطفال اللي دا مش بيحصل معاهم ممكن يطلعوا يلاقوا نفسهم عندهم صعوبة في تنظيم وقتهم أو الالتزام بروتين أو عندهم صعوبة في احترام حدود الآخرين والتعاون معاهم والمشاركة وممكن ميحترموش أي رمز للسلطة أو أوقات يكون العكس تمامًا والطفل هو اللي يحط القواعد والروتين للبيت ويكون ملتزم بيهم بطريقة زايدة والخروج عنهم بيتحول لكارثة وهلع.
لو دا اتعمل بتحكم بزيادة ومن غير تلبية الاحتياجات التانية الطفل ممكن يبقى مُتمرد على أي قواعد أو التزام زايد بالقواعد وعدم فهم للغايات من القواعد.
الطفل بيحتاج الاحتياجات دي "بما يكفي" يعني معظم الوقت زي ما وينيكوت قال، لإن مفيش مقدم رعاية أو أب أم هيقدر يعمل دا طول الوقت، و بتبقى حاجة جميلة لما مقدم الرعاية يغلط ويعتذر ويحاول يصلّح ويعوّض عشان يعلّم الأطفال إنه بني آدم بيغلط ويتعلم.
الاحتياجات دي إحنا بس مش بنحتاجها في الطفولة، إحنا بنحتاجها في المراهقة عشان تقدر تصاحبنا وتكون معانا في مرحلة البلوغ والُرشد وبنفضل نحتاجهم بأشكال ودرجات مُختلفة في علاقتنا بالآخرين طول عُمرنا.
سؤال وجاوبه مع نفسك لو تحب: في علاقتك بمُقدمي الرعاية بتوعك، إيه الاحتياجات اللي اتلبت وإيه الاحتياجات اللي متلتبتش وإيه أثر دا عليك دلوقتي؟
هل شايف في الناس اللي بيجولك العيادة علاقة ما بين احتياجاتهم غير الملباة من مُقدمي الرعاية بتوعهم وسبب زيارتهم ليك؟
ملاحظة نهائية: تاريخ الأشخاص مع مُقدمي الرعاية بتوعه مش بالضرورة يتسبب في صدمة مُركبة، والأساس في التشخيص هو وجود الأعراض في الوقت الحالي. وكمان في جُزء مهم من الصدمة المُركبة إن اللي بيعانوا منها مش دايمًا فاكرين تاريخهم بتفاصيله.
وشكرًا لـ د رضوى وليد على مُراجعة البوست وإضافاتها والتعديل عليه.
ولو حد عنده إضافة أو تعديل يا ريت يشاركنا.
والمرة الجاية هكمل كلام عن الصدمة المُركبة.
المصادر:
Attachment Disturbances in Adults by Daniel P.Brown.
هُناك جُروح لا تترك أثرًا على الجسد لكنها أعمق وأكثر ألمًا من أي جرح ظاهر.
لوريل هاميلتون.
إيه هي الأعراض اللي ممكن تظهر بعد التعرض لحادث صادم؟
اليقظة المفرطة أو ال Hypervigilance:
بعد التعرض لتجربة صادمة، يصبح الإنسان في حالة من الترقب المستمرة، وكأن الخطر يمكن أن يعود في أي وقت.
جوديث هيرمان.
اليقظة المفرطة ممكن تظهر في شكل:
إحساس دائم بالخطر وترقب لا ينتهي.
الغضب بسهولة وعلي حاجات الشخص في العادي مكنش بيغضب منها بنفس الدرجة.
الشخص بيتوقع أسوء السيناريوهات في كل موقف.
أفكار سريعة ومتلاحقة وقلق مستمر.
ضربات قلب زايدة وغير منتظمة.
التنفس زايد وغير منتظم.
ضغط الدم زايد.
أرق في النوم ونوم وصحيان كذا مرة وسط النوم.
الشهية للأكل زايدة أو قليلة.
الشخص ممكن يتخض بسهولة "exaggerated startle response"
صعوبة في التركيز.
الأعراض الاقتحامية أو ال Intrusive Symptoms:
يقول تيم أو براين وهو ممن شاركوا في حرب فييتنام: "أذكر العظام البيضاء لذراع. أذكر قطعًا من الجلد وشيئًا طريًا أصفر لا بد أنها الأمعاء. ولكن ما يوقظني من النوم بعد عشرين سنة هو صوت من معي وهو يغني أغنية بينما ندفن هذه الأجزاء"
ويقول بريت أوستروف: تفتقر الذكريات الصادمة الطابع القصصي والسردي للذكريات العادية وتفتقر للسياق ولكنها تُسجل على هيئة صور متقطعة وأحاسيس جسدية.
اللي اتعرض لحادث صادم بتجيله صور أو مشاعر أو أحاسيس جسدية مفاجأة قوية جدًا من الحادث الصادم كإنها بتتكرر تاني في الحاضر وأوقات بيكون في صعوبة في الكلام وهي موجودة. بيسيل فون دي كولك بيسمي الظاهرة دي بالرُعب المُلجِم أو Speechless Terror وبتتسمى Flashbacks وبتكون على درجات من الشدة أكترها إن الشخص ممكن ينفصل تمامًا عن الواقع ويتصرف كإن الحادث الصادم بيحصل من جديد.
بتكون في مثيرات أو Triggers بتجيب نفس مشاعر وأحاسيس الصدمة. يعني ممكن شخص يكون اتعرض لضرب بحزام، فممكن لما بيشوف أي حزام بعد كدا يحس بخوف شديد.
بيكون في كوابيس وأحلام ليها علاقة بالصدمة في الصور اللي بتظهر فيها أو المشاعر اللي بتكون موجودة فيها، يعني مثلًا ممكن يكون في كوابيس كتير الشخص بيحس فيها بالعجز أو بالخوف، أو بغضب شديد وهكذا. أو يكون المحتوى واضح وله علاقة واضحة من صور الصدمة نفسها فممكن تيجي صور من الصور المؤلمة في الحلم نفسه زي ما هي.
الأعراض الإنفصالية أو ال Dissociation:
تحكي ناجية من حادث اغتصاب عن تجربتها مع الإنفصال فتقول:
"غادرتُ جسدي في هذه اللحظة ووقفتُ بجانب جسدي المُلقى أشاهدُ ما يحدث لي وانفصلتُ عن عجزي، ولم أشعر بأي شيء. عندما أعيد تذكر الغُرفة، لا أتذكرها وأنا نائمة على السرير، وإنما أراها من جانب السرير حيث كنت أشاهد ما حدث. "
لما بنمر بحدث صادم وميكونش في إيدينا حاجة نعملها سواء طلب مساعدة أو هروب أو مواجهة، العقل بيحاولة يلاقي طريقة يتحمل بيها الألم الشديد المُصاحب، والانفصال بيساعدنا نعمل دا كويس، الانفصال بيكون له أشكال كتير:
ممكن يكون زي ما الناجية بتحكي، إن الشخص بينفصل عن جسده تمامًا وكإنه بيشوفه من برا ودا اسمه Depersonalization.
وممكن يكون كإن الحدث اللي حصل مش حقيقي كإنه في حلم أو فيلم ودا اسمه Derealization
في أشكال تانية من الإنفصال مش مذكورة في دليل التشخيص لكن بتتشاف مع الشُغل وهي:
الإنفصال عن جُزء من الجسد، وغالبًا بيكون الجزء اللي تعرض للصدمة أو كان فيه أكبر ألم، زي إن شخص ميحسش بمنطقة في جسمه.
الانفصال عن المشاعر أو الأحاسيس الجسدية وخاصةً اللي ليها علاقة بالذكريات الصادمة، فممكن الشخص يحكي حدث صادم لكنه بيحكيه كإنه بيحكيه عن حد تاني ومش بيكون حاسس بأي حاجة.
الانفصال عن ذكرى الحدث الصادم تمامًا ونسيانها كلها أو نسيان أجزاء منها.
الأعراض الاقتحامية وأعراض الانفصال بيحصل بينهم تناوب بعد التعرض لحادث صادم، فالشخص بيلاقي نفسه ما بين إنه مش حاسس بحاجة خالص أو يلاقي نفسه عنده طوفان من المشاعر والصور والأحاسيس الجسدية فيحصل انفصال بعدهم وهكذا. التناوب دا بيزود إحساس العجز والخوف عند الشخص لإن مفيش توقع أو سيطرة على إيه ممكن يحصل إمتى.
في البداية غالبًا (بعد الحدث بأيام ل 3 أو 6 شهور تقريبًا) الأعراض الاقتحامية هي اللي بتكون أكتر لكن بتقل بالتدريج والأعراض الانفصالية هي اللي بتزيد بعدها وبتكمل. ومع الوقت، الحدث الأساسي ممكن الشخص ينساه تمامًا لكن أثره في الأعراض الانفصالية بيكون موجود ودا أوقات بيزود صعوبة التشخيص لإن الشخص نفسه مش بيكون عارف فين المشكلة أو السبب ومش بيكون رابط بين الحدث وبين الانفصال حتى لو فاكر الحدث. (لإن أحيانًا التذكر بيكون معاه أعراض انفصالية بإن الشخص يفتكر الحدث لكن من غير مشاعر، فميشوفش إنه مهم أو يقلل من أهميته).
وهنا واحدة بتحكي عن أبوها قبل وبعد الحرب وأثر الانفصال المزمن عليه فبتقول:
"لقد اختفى مُوظف البنك الذي عمل لساعاتٍ طوال وكان يرقص ويغني ويلعب ويُغازل، كأن روحه ماتت، فالنساء اللاتي عرفنه قبلها كُنّ يتحدثن عن نشاطه وحبه للحياة وأيضًا لطفه وطيبته وكلمة يكررنها كثيرًا وهي حكمته. ولا أظن أنهن كُنّ ليتعرفن على الرجل المريض سريع الغضب المُشتت دائم الخوف من المرض الذي عرفته"
وممكن بعد فترة طويلة تحصل حاجة (Trigger) تثير المشاعر الأساسية وتفتح مشاعر الصدمة فالشخص بترجع له الأعراض الاقتحامية من جديد. فمثلًا جندي ظهرت عليه الأعراض الاقتحامية في السنوية التامنة لتحطم طائرة هو نجى منها.
أعراض التجنب أو ال Avoidance:
عشان مشاعر الصدمة بتكون مؤلمة وغير مُحتملة، فالشخص بيحاول يتجنبها بأي طريقة ممكنة وبيتجنب أي حاجة ممكن تثيرها، فالشخص ممكن يتجنب أي شخص أو مكان أو حوار أو نشاط أو موقف ممكن يؤدي لظهور الذكريات أو المشاعر أو الأحاسيس الجسدية الخاصة بالصدمة.
فمثلًا ممكن شخص يتعرض لسرقة بالإكراه في شارع مُعين، فممكن بعدها ميمشيش في الشارع دا أبدًا أو الشوارع الشبيهة، أو شخص تعرض لتنمر في وسط مجموعة، فممكن يتجنب أي مجموعة بعد كدا. أو شخص تعرض لحادث كان هيغرق فيه، فميقربش للمية أو السباحة تاني.
لكن في أشكال مُختلفة وأقل وضوحًا للتجنب ومش مذكورة في دليل التشخيص لكن مهم نحطها في الحسبان زي التجنب الداخلي:
الطبيعي بتاعنا كبشر إننا أوقات الفراغ والخلوة بالنفس (لما نسرح أو نبحلق في السقف) بتنشط شبكة بتربط بين أجزاء من المخ اسمها Default Mode Network ودي من أهم أهدافها هي التفكير في أفكارنا وأفكار الآخرين والتفكير في مشاعرنا ومشاعر الآخرين والتفكير في الماضي والتخطيط للمستقبل.
ودا معناه إن الشخص اللي تعرض لحادث صادم لو اختلى بنفسه وسرح من غير أي تشتيت ممكن يفتكر مشاعر وذكريات الصدمة وبالتالي الشخص بيميل لإنه يتجنب الخلوة مع نفسه وبيكون في وضع تشتيت مستمر، سواء بأفلام أو مسلسلات أو ألعاب أو سوشيال ميديا أو شغل أو غيره.
تسكين الألم وتجنبه:
تعريف الإدمان بأنه عادة سيئة أو سلوك لتدمير الذات يُخفي وظيفته في حياة المُدمن.
فينسينت فيليتي
يقول جابور ماتيه: استخدام المواد المخدرة ليس مُجرد بحث عن المتعة وإنما هربًا من الألم، فالمدمنون من الناحية الطبية يعالجون أنفسهم من الاكتئاب و القلق وكرب ما بعد الصدمة وحتى فرط الحركة ونقص الانتباه، فالإدمان دائمًا ينشأ من الألم سواءً شعر به الشخص أو كان مدفونًا في لا وعيه.
ومعظم الدمنين نشأوا في بيئة مُسيئة من الإهمال أو الإساءات في طفولتهم أو مراهقتهم، والكثير من النساء تعرضن للإساءة الجنسية، وتاريخ المدمن ملئ بالاغتصاب والضرب والذل والرفض والهجر. والكثير منهم كأطفال اضطروا لمشاهدة العنف بين والديهم ومنهم من شاهد إدمان والديه وكان مضطرًا للعناية به بدلًا من تلقيها.
وبالإضافة للمخدرات كطريقة لتسكين ألم الصدمات فالإدمانات السلوكية التانية زي الألعاب أو القمار أو الإباحيات أو الأكل العاطفي هي طريقة لتسكين الألم العاطفي وتجنبه اللي أوقات كتير بيكون وراه صدمات.
فالملخص إن أعراض الصدمة بتكون في أربع أشكال كُبار:
يقظة مفرطة
أعراض اقتحامية
أعراض انفصالية
أعراض تجنبية
والمرة الجاية هتكلم عن أعراض الصدمات المُزمنة إن شاء الله.
ولو حد عنده إضافة أو تعديل يا ريت يشاركنا.
المصادر:
The body remembers by Babbette Rothschild.
Trauma and Recover by Judith Lewis Herman.
Waking The Tiger: Healing Trauma by Peter Levine
In The Realm Of Hungry Ghosts by Gabor Mate